أتى موعد الفراق مهرولا بلونه القاتم الأخرس فكل فراق في هذه الحياة يشبه طعم المرارة بالحلق كأنه الموت في برقعه الرث الأسود أما العناق فلم يكْفِ ليتم طقوسا مألوفة و لا تلك النظرات الحزينة كانت كافية لتوقف أمرا كان مفعولا…إلا العيون المسكينة وحدها وفت بعرضها الدرامي بنظراتها البائسة المتخمتة بالألم الذي كان يتأجج داخل الصدر بين حنايا الروح.
أخذ حقيبته و كأنه يأخذ جرحا سيلازمه أياما طويلة و لوح لهم بيده كأنه يلوح للفرح و مشى و خطاه متثاقلة لا تروم الرحيل..ماذا كان ليفعل و الصمت في هذه اللحظة يقول كل شيء و الغيوم التي تملأ لحظة السفر قاتمة لا تأتي إلا بعبرات مالحة ساخنة…نظر خلفه نظرته الأخيرة فتذكر كل شيء حلو كان بتلك الدار و تأوه ثم نظر أمامه و إذا بالعربة التي ستوصله قد توقفت بمقربة منه…نظر إلى ساعته فوجد أن الوقت قد مر سريعا ككل لحظة حلوة بهذه الدنيا فعرف حينها أن الأيام القادمة ستكون شهورا بل أعواما.